قصص

مجموعة نعش زهري مجوعة قصصية غير منشورة كتبت بين عامي 2001 و2003

 

 

1

     نعش زهري

 

كم شتاء مر وأنت بعيد عن ناظري... لقد بقيت مهملا.. يأتي الشتاء البرد المطر وأنت منسي في أحد الأدراج المهملة... محكم الإغلاق بقفل ورقي إن صح التعبير لأنه لا يملك من صفات المعدن سوى الاسم بينما هو أقرب ما يكون للورق...

 سنوات طوال والقفل الورقي الأحمق يغلق على أسراري... على الذكريات... على التواريخ التي لم يبق لها مكان قريب في الذاكرة إنها تقطن الآن في تلك الأنحاء الغريبة من الذاكرة في الطرق الضيقة التي أشبه ما تكون بدهاليز الحد والمحرق القديمة...

 بقيت فيك أنت وحدك بلونك الزهري الطفولي؛ الطفولي جدا لا أعرف مصدرك لا أذكر أني ابتعتك مقابل مال رمزي... اذكره ربما كنت هدية مجهولة المصدر... ربما ولكن أين مفتاحك.. مفتاح ذلك القفل الورقي أعتقد انه ضاع وبما انك قفل تافه أحمق صغير تخفي كل تلك الذكريات... وأنا الأقوى فإني سأحطمك وأستعيد كل الذكريات... آآآآه الأيام الماضية سنوات عمري 1991... 1994.... 1996... 2000 سنوات أرختها الذاكرة أو أرختها أحداث تلك السنوات... ما حاجتي لهذه الذكريات.... تلك التفاصيل الموجعة أوراق زهرية قلم حبر أسود أو أزرق وهناك ذكريات مكتوبة باللون الأحمر ذكرى، اثنتين...

ما حاجتي لهذه الذكريات...  

تمتد يد مكابرة يحركها عقل مكابر لتمزق بجرأة مكابرة ذكريات سنوات مكابرة

الآن تخلصت من ألم التذكر من طقوس الذكرى لم تعد موجودة.. تخلصت منها لم تبق إلا أنت يا دفتري الزهري بلا أقفال ورقية كنت قبرا للذاكرة... أنت الآن لم تعد سوى نعش زهري قرين لذلك النعش في جوف جمجمة... إني سعيد لقد تخلصت من ذلك الدفتر حيث كنت أخفي كل أحلامي... كم كنت سأكون نادمة لو لم أفعل...

 

22

من طقوس العشق

 بكاء ابتسامة

حيث كنا

جلسوا جميعا حول النار... يحاولون سلب دفئها بكل حركة ممكنة... ليلة جميلة ربما تكون الأجمل... وقف هو بعيدا عن اللهب... ينظر إليها تعلو ملامحه ابتسامة ساحرة... يلتمس دفء نظرتها... يتمنى لو تنطق عينيها حبا... كان يحترق في الداخل...

تمنى أن تنظر إليه ولو احتقارا... مجرد نظرة منها تكفي لتريح عذاباته...

 خلع معطفه....

-        أتشعرين بالبرد

-        لا... شكرا...

-        لالالا... ضعيه عليك... أشعر بأنك تشعرين بالبرد...

-        لا....

-        أرجوك...

 وضعت معطفه على جسدها... طار قلبه فرحا... زاد دفأ... زادت عيناه بريقا...

اشتعلت حزنا... فرحت لأنها تضع شيئا منه على جسدها... لكن عينيها لمعتا بدمع مؤلم قالت لذاتها: ( ربما شعر بالبرد)....

( ماذا يحدث هل أحببت للمرة الأولى في حياتي).... ( هل هذا هو الحب)...

شيء جميل يتحرك في أعماقها... يلاطف ذاتها المتعبة... المنهكة من طقوس الحياة...

ينبثق نصفها الآخر من العدم...

يؤلمها لكنها سعيدة بعذاباتها... كأنها تشتهي تعذيب ذاتها...

تندفع في تجارب موحشة، لا تعرف متى تنتهي لتبدأ من جديد...

هكذا النهايات ترادف البدايات...

آآآآآآآآه لو تحبني هذه الفتاة القادمة من البعيد... لو تقرأ ما أشعر به... لو تطفأ احتراقاتي بنار حبها.... لو.......... لو............

(بلا تواريخ... بلا عنوان... تندفع حياتي عبر مجرد ثقب في النفس لأبدو أكثر وهنا من قبل... أن أخسر ثقتي بالآخرين أمر سهل، الأكثر صعوبة أن تفقد ثقة نفسك بذاتك... ذاتك بنفسك... أن تنشطر نصفين وأنت واحد...أن تصاب بداء لا شفاء منه سوى أن تهلك ببطء...

لا أحب هذه الطقوس المؤلمة المفرحة... تسلب النوم وأنت تعب... لا تستطيع البوح... تصرخ لترسم جراحك على مسمع العامة العميان حيث لن يبصروا بآذانهم ما تصدر خطوطك من نغم... لكن....

ربما... ربما استطاعوا أن يشعروا بما يحدث من خلف حجبات أنفسهم، لكنهم أبدا لن يدركوا أن ما ترسمه ليس برسم... إنه كائن حي يتحرك... يملك أكثر من روح... يدغدغ أثنين في هذا العالم أنت وأنا....).     

  

رحيل

 كانت شفتاها تبتسمان بصعوبة بالغة... قاسية... ودموع ساخنة تسقط من عينيها... لم تكن تستطيع أن تمنع نفسها من البكاء و الضحك في الوقت نفسه...

تبتسم حيث لا ترغب إلا أن تكون صورتها الأخيرة قبل الرحيل جميلة...

تبكي حيث أنها لا تصدق أن طقوس الفراق تمكنت منها مجددا.... إن الزمن والمكان يسلبونها من تحب مجددا تقضي عليهم تحولهم إلى مجرد ذكرى....

كم تكره الذكرى... يا مخلوقات الذاكرة... كم أنت جميلة البشاعة... أين يذهبون...

أصبحت صورتها غريبة وجه ليس بالحزين ولا السعيد... ابتسامة جميلة وبريق غريب يقول الكثير بلغة لا يفهمها سواه...

 

بعد الرحيل

 كم أحبته فهل أحبها كما فعلت.... تتوسل إلى هاتفه كل مساء هو مقفل كالعادة لقد نام.... أو أنه.... هل أحبني...

ذات منتصف ليلة شتاء:

ظل هاتفها يرن فترة طويلة...

يتأوه بحرارة...

ولم تجب...................

 

ألم  

 مؤلم...

مؤلم جدا...

....

مؤلم جدا أن تضحك وأنت تتألم...

هذا يزيد الوجع مرارة...

يجعل داخلك يتمزق...

ينسلخ...

ويعود فيكسى لحما...

ليحترق من جديد...

لا يخلف إلا الصديد على جراح لا تندمل...

مؤلم... مؤلم.... مؤؤؤؤؤلم......................

كيف يوصف هكذا أحساس ليعبر عن واقع عن حالة من الحزن الغير منطقي.... مجهول الأبوين و الهوية.... المكتفي بحروف أسمه للتعبير عن ذات يكرهها الجميع... يحقد عليها الجميع....

رائحة بشعة تندفع منها، مما يجعلك تهرب من داخلك إلى البعيد... أرفع صوت الموسيقى ربما يضيع الصوت الهارب من جسدي.... التأوهات التي بلا صوت لكنها تقتلك... تفتت حاسة سمعك... تشلها.... الموسيقى تدفع بكل هيكلها لتمتص الألم وتبصقه من جديد أمام عينيك جسدا بأرواح الشياطين... في كل الزوايا التي تصرخ رافضة...........

الجميع من حولك لا يعلمون إلى أين أمتد ألمك... كم بوابة عبر، وكم أخرى سيعبر...

يضحكون...

إنهم لا يعلمون...

 

-        ما بك صامتة اليوم؟

*......

    + ما بك؟

    * عمن تتكلمون.... أأأتقصدونني...

    - نعم ومن غيرك...

    * ماذا حدث؟

    + كنا نقص عليك قصة ابنة عمي التي.........

إنهم لا يعلمون جراحي، ألمي النار، الجلد، لا يشمون رائحة احتراقي، تعود أعضائي لتتشكل من جديد... تزداد النار توهجا، تحرقني بلا رحمة... أتسائل لماذا الألم... لماذا الآن حيث من المفترض أن أكون سعيدة...

الأكثر إيلاما أني لا أعرف لماذا....

 

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه

إنها...............................

كيف.............................

لماذا.............................

 

حتى الأسئلة فقدت ذواتها.... لم يعد لأي شيء معنى....

 

مجرد نصيحة للمتألمين:

 

لا تضحك عندما لا ترغب بذلك.

 

أبكي هو أقرب.....

 

أنا متألمة بهذه الصورة لماذا أفعل ما افعل لأندم من جديد... يطفئني الندم من الخارج.. يحرق الألم أعماقي....

لا تجد مكانا تبكي فيه وحيدا بعيدا عن الجميع.. لماذا نحن نعيش... نتألم... نحب... لنفترق...

هو البعيد عني... كم يحبني يا ترى...

لا أعتقد أنه يحبني....

 

 الغد

...................

3

 لأنها... هي... مجرد أنثى

جنازة...

 

-        ألا تذكر هذه ابنتي الوسطى...

-        أنهت دراستها وهي تعمل الآن...

-        ....

-        ألم تعرفها

-        أهذه هي تلك الصغيرة الصامتة المطيعة؟

-         بدأت تتذكرها...

-        نعم أذكرها ما شاء الله أصبحت عروسا، أذكر عندما غادرت الوطن منذ سنوات طوال كانت طفلة لم تتجاوز العام من عمرها، كانت دوما صامتة لا تبكي ونادرا ما تضحك، كانت قد بدأت تخطو خطوات مترددة، تسقط بعد الخطوة الثالثة، كنت أرفعها من الأرض أحضنها ضنا مني بأنها ستغرق في بحر من دموع البراءة لكنها ترفض أحضاني، مفضلة صلابة الأرض وتعود مكررة خطواتها الثلاث...

وقفت أتأمله كالبلهاء أنا لا أذكر ما قاله أبدا0 أيعرفني هذا الغريب أكثر مما أعرف عن نفسي 0 وما به ينظر إليّ بهذه الطريقة ويمسك بيدي مسلما بحرارة كصديق قديم.. بدأت يده تزعجني... أريد التخلص منها أحاول سحبها لكنه مصر على امتلاكها ولو للحظات0 وكأنها دهر بالنسبة لحواسي...

-        عزيزتي ألا تذكرين( ؟ ) إنه أبن صديقي الذي كان يدرس في انجلترا وعاد لتوه..

-        .....

-        من الصعب عليها تذكري، عمرها من عمر الغربة...، سنوات طوال.

مازال يتكلم وكأنه جزء من ماضي يحاول أن يدفعني فيه 0آآآه، أخيرا أحس برغبة يدي في الحرية وأطلقها بعد أن كانت قد غرقت في العرق... أهو الماء الهارب من جسدي أم أنه شيء من جسده أم أن أكثر الأشياء حرمة امتزجت على يدينا وصارت جزءا منا....

-        آسفة أنا لا أذكرك أبدا أبدا

-        هذا مؤسف جدا شعرت بأني لم أسافر يوما في أول يوم عدت فيه للوطن لكني اليوم أشعر أن الزمن خانني مضى بسرعة من دون أن أعلم كيف تسرب مني ومتى ضاع وكيف وجدته اليوم.

-        ( ؟ ) بدأت تتكلم بالألغاز، تعال معي لتحكي لي ما فعلت بك الغربة طوال غيابك.

-        سعدت برؤيتك وأتمنى أن أراك مجددا، وقريبا جدا جدا...

اكتفيت بابتسامة حاولت قدر الإمكان أن تكون غير مفتعلة وأعتقد أني فشلت في مسعاي حين قرأت وداعا غريبا في عينه.. أهو خوف من الغربة من جديد...

رجل غريب جدا اختفى قبل أن أعرفه لكنه عرفني في أحد الأزمنة ويأتي اليوم في مثل هذه المناسبة ليفرغ ذكرياته ويجعلني جزءا من الماضي، يأتي ليبدأ حياته في مناسبة كهذه لا توحي إلا بالنهايات، إنها جنازة أيبدأ أحد حياة جديدة في جنازة...؟

 

رؤيا

 كيف قفز هذا المخلوق من الواقع إلى عالمي الخاص. كيف استطاع التسلل بين كل تلك الرؤى...

هل قابلته اليوم فعلا في الجنازة...

هل كانت هناك جنازة أصلا اليوم...  

يا ترى ما الذي حدث لي اليوم ....

كل شيء غريب...

من أنا...

هل أنا موجودة أصلا...

هل سأرى نفسي في المرآة إذا أشعلت الحجرة نورا...

هل هناك نور أصلا...

...........................

أظنني بدأت أجن، فلأقم وأثبت لنفسي أن روحي ما زالت عالقة بجسدي بل هي تسري فيه من بعيد دون أن تلمسه...

نعم هذه أنا مازلت أعتقد بوجودي... ( مدت يدها إلى المرآة تلمس ملامحها.. عينيها.. أنفها.. بشرتها المتعبة.. رقبتها..حاولت دفع يديها في المرآة بكل قوة...)

الواقع أظنني فعلا سأجن إذا لم أعد للنوم مجددا...

 

يوم  بعد الجنازة...

-        ما بك اليوم...

-        تعبة قليلا

-        هل أنت حزينة؟ أعرف أن الموت شيء بشع...

-        لست حزينة لهذا السبب، لقد اعتدت مثل هذه المواقف، أنا أصلا لم أكن أعرف الراحلة بشكل جيد، كانت علاقتنا هشة...

-        إذا ...

-        شيء غريب حدث البارحة، رأيت أحد أصدقاء العائلة في الجنازة، عاد لتوه من الغربة، إلى هنا كل شيء كان طبيعيا إلى أن رأيته في....

-        ما بك؟

-        .....أأأتصدقين لو قلت لك أنه الجالس خلفك الآن....!!!

-        ...من هو؟

-        صديق العائلة، الجنازة، ثم الحلم ، والآن هنا.

-        مرحبا كيف حالك ؟

-        بخير

-        أيمكنني الجلوس.

-        تف....

-        شكرا

كم هو جريء، ما به يا ترى كيف يدعو نفسه للجلوس... كيف يتبادلان الأحاديث كالأصدقاء... كم هما غريبان... غريبان ومتآلفان...

-        وداعا

-        سعدت بلقائك...

كيف ترحل... تتركني... وحدي...

-        ما بك صامته؟

-        .....

-        أتعلمين اشتقت إليك...

-        .....

-        أحبك...

( قامت بلا وعي.. غادرت.. لم يحاول منعها.. لم يبدي استغرابه... اكتفى بمجرد ابتسامة...)

 

هي والأنثى...

كم أتمنى أن يمتصني البحر.. حديث الموج يحرقني.. ضحكاته الساخرة تدفعني لاعتناق الجنون... بكل صلواتي أستغفرك... أبعدني عن سخريتك... أتوسل أن ترحم ضعفي أو ربما بدايات جنوني... لكني احبك أيضا... لم أبح بعشقي لموجود قبلك... أني أعشقك... أعشق همساتك في بداية كل شتاء... هل سأحفظك في ذاكرتي عندما تحين مواعيد الفراق المملة والمألمة... ربما..........

سأدفع بك..بكل أمواجك... بصوتك العذب في نهاية كل صيف...إلى ذاكرتي... مسجون أنت... أن تعذب.. تتوسل إليّ... أفضل من أن تظل هائما بعيدا عني... بهذا وإن كان شبه هذيان... أكون أنا الأقوى لكن دونما قلب.....

أراد الله يوما أن يهبني قلبا..لكني استنكرت عطاءه... أن تجحد عطاء الله.... يعني أنك .................

فإذا بالقلب يتحجر.. يسقط متهشما أسفل قدمي... كل قطعة أصبحت أصغر من ذرات الرمل .... ذرات تذروها مشاعري على رأس المنارة... بعيدا تسري في هذا الكون.....

لو أصبح عدما... أقطع صلتي بالعالم..أسترخي.. أعد 1... 2...3 ... وأختفي أصبح عدما... لا شيء.. فيشك من حولي في وجودي... في وجودهم... في يقظتهم .. في أحلامهم... لا أريد أن أموت... آآآآآآآه أيها العدم كم لك من فضائل.... إنك لا تألم ، هذا أولا... أنت لست موجعا، هذا ثانيا... وثالثا ورابعا... يزيدني الهذيان قسوة. الرغبة في الطيران تنتابني كما الموت. أركض مبتعدة فيما يشبه المشي أنطلق في السيارة لعلي أمضي إلى البعيد الذي لا يعرف القرب. بوابة آخر الدنيا في طريقي مفتوحة على مصراعيها لكني أكتفي بالنظر من بعيد دون الاقتراب وكأني طفلة تخاف الدخول في تجارب الهذيان الأولى أريد لمس ذلك القبر فكلما رأيته يسقمني بلوعة ليس حزنا ولا رهبة بل هو الحب. هل أحب أحدكم يوما قبرا.... أنا بكلي أعشق القبور لأنها لا تخيف إنها الأجمل بين أشياء العالم، بين تضاريس هذا الكون .. إنها عالم منفصل جميل.... آآآآآه من ظلم هذا العالم حتى القبور من المستحيل أن تختلي بها فتاة لأنها فتاة..... مجرد كونها أنثى يجعلها عاجزة عن نيل مشاعرها أو مشاعرها مشلولة في وحل المجتمع.... آآآآآآه أيها المساء كيف لا تكتب في صفحات قدرك الوردي لهذه الأنثى نعمة الوحدة نعمة الاختلاء بذاتها بعيدا عن الصوت في عالم لا ينطق..... لا يبصر.... لماذا لا تحميها من نظرات القوم الذين يحملون رغباتهم على رؤوسهم لمجرد أنهم رجال.... فقط رجال..... 

( تتراكم ألوان بلا ملامح...معاني لا معاني لها.. إنها أنثى تحاط بهالة من الحواجز.. ما أن تعبر بوابة إلا وتنبثق أخرى من العدم.. عملية تناسل لا تنتهي... لا تعرف متى ولد الحاجز الأول ليظهر حفيدها الأخير....

ينتهي كل شيء ما أن تبصر كومة الحجارة المتآلفة التي تسكن في أعماقها... لتعود إلى الوجود حيث....)

 

كانت أنثى...                

-        مبروك عزيزتي ... لقد طلبك ( ؟ )  للزواج وأنا ووالدك موافقان ... مبروك...

-        .....

-        مبروك ألف مبروك....

-        .....

-        .....

-        أنا لست موافقة ... أنا لست موافقة......... لست موافقة.

-        ......................................................

( أنها المرة الأولى التي تعلن فيها رفضها وسط ذهول الجميع ... الفتاة الصامتة ... المطيعة ... الجميع سكت ذهولا خشوعا لرغبتها .... لم تعد هي هي بعد اليوم... مضت تاركة الجميع في صلاتهم خاشعين متضرعين أن يعيد الله لها ما سلبت من عقل ... ربما بفعل من شياطين الأفكار ...أما هي فلم تنسى أن  ترمي بقلبها على الطريق وهي ماضية سحقته بحذائها فتصاعد منه ألم وردي لكنها مضت دون أن تنظر إليه، حتى لا تشفق روحها على ضعفها فتندم)

أيها القلب، أنت هو قلبي.... أبتعد أيها الإشفاق فلم يعد لك مكان...

أسْحقٌك, نعم.. لا بد من ذلك فما أنت تستحق ولن تستحق يوما أن أذل من أجلك هذا عقابك ... لقد اخْترتَ الذل لكني أبدا لم أرضه لي... ستشكرني يوما عندما تبصر النور في أجساد الضعفاء وليس جسدي أنا... أنا الأقوى ولكن دون قلب...

 

 

4

عندما تسمع ضجيج ذاتك ولا يسمع الآخرون

 

خارج الزمن أنا حيث فقدت نفسي.... فقدت الرغبة بالحياة.... بأن أكون أنا  ولا شيء غير أنا...  شعور بألم يتنقل في جسد لا وجود له الآن أنه في زمن آخر وجود آخر يلفه يرمي به في الفجوة ما بين أن تكون حيا وأن تكون ميتا... لست حية ولست ميتة... من يستطيع ابتلاع هكذا ألم دون رغبة دون ذنب أنه هو من يقتحم وجودي الغير المرئي البعد الغريب الذي لا يمت للأبعاد المعروفة بصلة غير أنك لا تشعر بروح تسري فيك ... تحاول روحك التسلل... وبعد معاناة تتحول روحك إلى أكثر من روح تتحول إلى وحش يريد الخلاص من سجن... لكنها لا تجد السبيل للهرب.. الأكثر إيلاما هو حالك عندما تحاول أن تبتسم... تموت آلاف المرات وأنت تدفع بذاتك تبحث جاهدا... بحث مضني عن ما ربما يحرك شفتيك عن ابتسامة تبدوا أكثر بؤسا من العويل ومن صياح ديك  في غير وقت فجر....

كأنك تقيم شعائر... صلوات لكنك تصلي للشياطين تستنجد بالجن ... بأرواح الذين رحلوا وما زالوا يعانون...

أو عندما يأتي صوت آخر ليخرجك من صمتك من سكونك فانك تقول كل ما لا تريد قوله لأنك فقط تريد نسيان أنك لست أنت... لست أنت... ولن تكون أنت إلا بعد حين بعد بضع تحولات .... بعد الكثير من الأم والقليل من الفرح ...

بعد أن تشعر بجوفك يتمزق الألم القاتل يحاول الخروج... تصرخ أخرج أبتعد عني لكنه ما يزال متشبثا يمزقك يجرحك... يجرح آخرين لكنه لا يبتعد ... أشياء بلا عدد تتدافع ترمي بك في قبضة الجنون... تكره الجميع تشعر بهم حمقى.... تصرخ أعماقك... تقف عاجزا تبكي تصرخ  ولا تستطيع تخليص نفسك من كل ذلك ....  تصرخ أشياؤك آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه كبيرة بحيث لا تعرف كيف احتواها جسدك ... قلبك التافه... كيف يتمسك بكل ذلك الغضب والألم المتنامي....

تبدو مسالما........

 

-        أختي هل يبدوا فستاني جميلا لحفلة الليلة؟

-        ..........

-        لم لا تجيبين ألا يعجبك؟

 

5

رماد هو ليس هو...

"هل يمتلك الرماد القدرة على الاشتعال أو إيقاد حرائق النفس الأولى... بعد أن تحولت إلى ملايين الذوات المتناثرة..."

 

غريب أمرهم هؤلاء الذين ليسوا أنفسهم...

يوهمونك بأنك لست أنت...

فعلهم كالسحر...

يملكون أجمل الأيدي أكثرها نعومه... جمالا... لكنها بلا ملامح ليست كأيدينا أو كيدي حيث أحمل الكثير من تاريخي وتواريخ آخرين لم يعودوا معي اليوم... تحولوا إلى مجرد ملامح بلا ملامح في ذلك الرأس الذي لا أعلم حتى أنا كيف تدور به الأسئلة ومن أين تتسلل إليه الأجوبة...

يداه حيث يدفع بهما بنعومة ليلامس أحدى اللحظات في أعماق قلب مل الانتظار... ليشعل الخلايا... يدفعها إلى الرقص بجنون..

ثم ...

يسحبها....

دون أن يخلف أثرا لوجودها....

ترقص الخلايا... تتدافع... تصرخ... تضحك... تبكي...

لحظة:

( ما الذي دفعنا لكل هذا)

هل كان مجرد حلم عابر... لا تملك من  التواريخ تواريخا... لم تعد شظايا الدم تتكلم إلا بأقل ما يمكن من أن يوصف بأنه لغة بين لغات هذا العالم الذي فقد ظله...

في لحظة سحب ذلك الشيء يديه... دون أن يهبني دليلا على ما لا دليل له...

أكبر الحرائق تتحول إلى مجرد رماد...

رماد...

رماد...

رماد...

غريب...

كل ذلك الاشتعال ... تألق النار ... الجمال... الاحتراق... التهور... في أقل من حلم يتحول إلى مجرد رماد...

تأتي الريح كسلا تبعثره... تجرده من كونه هو... تأخذه بعيدا إلى بلاد غريبة... الأجمل الأكثر ألما... عذوبة... انتشارها... تبعثرها... في كل مكان... ترك ألمك... ذكرياتك... مشاعرك الجميلة المتوهجة في كل مكان... إنها مجرد رذاذ ذاكرة...

تشتعل ذرة الرماد بعد أن تفقد وحدة كيانها في أغماضة في عناويننا التي لا تعرف الاستقرار  تعنون جزءا من الذاكرة... من الحلم... من الألم... من الشهوة... من الفرح... كلها في لحظة تغدوا رمادا... ينثرها الريح...

كيف للنار أن تتحول إلى هكذا رماد... خرائط بلا ملامح لعمر لم يعد سوى إطلالة... أو مجرد شرفة تطل على وادي... هل لعمر يطل على واد من دوام... هل بقى للذاكرة القدرة على استقبال الفرح في زمن أقل ما يمكن أن يوصف بأنه مجرد دعابة كبيرة مبكية... لم يعد للحقائق وقت للحياة أغفلها الزمن.. ومسح القدر عناوينها... وبهاء لحظاتها الأولى في الحياة... نداوة الجمال الأول...

الاستغراق في تيه الرماد... عوالم الرماد غريبة... لا يستطيع الجميع كشف شهوة براءتها... إنها عوالم الإرباك... عوالم من لا عالم له... من لا يملك فرحة... يستولي عليه الحزن... مملوك هو حيث لم يعد أو لم تعد لذاته من سلطة سوى عدم امتلاك سلطة...

غابت لحظات...

لم أعد أقوى على الكتابة

زاد الرماد

ولم تعد ملامح الكلمات.....

كما كانت...

إنها تختنق....تفقد القدرة على جذب الهواء لتعيش يوما آخر.....................

يوما ما كانت الأحلام جميلة....

لكن العذابات كانت الأجمل....

كانت السماء صافية....

لكن الليل كان الأصفى.................

 

6

رائحة السمك

 

الأمس واليوم

يبحث عميقا في تلك الزاوية المظلمة ، خيوط العنكبوت تزداد تشابكا في زاوية ، وفي أخرى تبدوا هالكة لدرجة تطمس معها هويتها، إضاءة خافتة في ناحية، وفي جهات أخرى يكاد النور يعمي الأبصار، والظلمة أكثر حنانا عندما تشرق من ذلك الاتجاه. لا شيء يبدو حميما كما هو المكان اليوم...

يدفع يده بكل عنف ليقتلع تلك الذكريات من أرضها الخصبة ويطلقها في الهواء . تعلق تلك القصص برائحة السمك، أو ربما كانت تلك الرائحة من حرك المكان أكثر من أي شيء آخر.

إنه المكان جو الشتاء الرطب شديد الرطوبة هو الوحيد القادر أن يكسر الحاجز أن يعبر البوابات التي لا حصر لها ويندفع بجسده، جسد الغول إلى الذاكرة إلى حيث كانت حبيبة ترقص على أطراف أصابعها مدغدغة لحظات العمر محركة الفرح السعادة النشوة الرغبة في الحياة في الشعور بأن العمر باق لا يزول أن العالم ملك هذه اليد، ملك هذه اليد...

ما الذي كان سيفعله لو لم يكن يملك الذكرى لو لم يكن يجلس في تلك الزاوية...ينزل من سيارته الفارهة حمراء داكنة يجلس بالقرب من ذلك المحل روائح السمك يا للذاكرة التي تتحرك بفعل رائحة السمك ....

ويتكرر السؤال ما الذي كان سيفعله لو لم تكن له ذكريات... رحلت احبت آخر ومضت بعيدا حيث تصنع ذكريات جديدة ... أجمل في نظرها ... لا تريد العودة ... بكت كثيرا قبل الرحيل .. كانت تبكي ذكرياتها تدفنها هنا .. تمضي ولا تعود... رحلت ولن تعود...

ابتسم أضحكته نفسه الغريبة لم يتمسك بهذا المكان الغريب؟

 أكثر ساعات الألم هي ما يحملها الشتاء... لا تحمل ريح الشتاء المريض غير الحزن المزيد من الحزن... كم كان يشعر بالدفء عندما كانت عيناه تلامس جسدها وحتى طيفها من بعيد... لم تعد هنا مجددا... هذا مؤلم.. مما يزيد ذكرياته حركة يائسة...

كل تلك الحركة والهيجان في الذاكرة لا يولد إلا الحزن منهوك هو لا يقوى على الحركة فكل الضجيج الذي يسري فيه لا يجعله يقوى على القيام من مكانه فيظل جالسا ضاحكا بائسا دون جدوى من الخلاص... لكني لا أريد التخلص من ذكرياتي هي الأجمل ... الأكثر ألما...

ربما كانت حلما ربما استيقظ بعد حين...

كانت ولم يكن سواها كانت ولن يكون هناك سواها... تحمل رطوبة الشتاء أطياف ذلك الزمن ... مضى دون استئذان يأتي بدون رغبة مني ويمضي رغما عني يقحم نفسه في الواقع ويتحول إلى ذكرى تسجن في ذلك المكان الذي يعج بالزوايا زوايا لا حصر لها كل زاوية وطن وما أكثر أوطاني وأزماني أيام وأيام ... الذكرى وطيفها حبيبة كانت أكثرا الأشياء إسعادا لي وها ذكراها اليوم تقذفني في حضن النشوة والفرح وتعود فتدفعني في حضن اليأس والألم ... مؤلم مؤلم حتى آآآآآآآآه لا تريحني حتى التنهيدة لا تعيدك من يستطيع أن يخلقك مجددا إنسانة لا ذكرى، لم أكن يوما أرغب بأن تكوني ذكرى...

يا الل............................................ه قلما أذكر أسمك لكني منهار منهار برد الشتاء يقتلني رغم أنه دافيء في وطني إلا أن الوحدة تشعلني بردا تحرقني مطرا على أرض العجز... لا أصدق أنك مؤلمة لهكذا درجة لم يكن بوسع عراف مهما كان في أي زمن كان أن يتنبأ بهذه النبوءة بهذا الفقد والوصل أنت داخلي وأنا عاجز عن التقاطك ....

أنا وأنا وأنا ............

أعلم أنه المكان هو من يهب الروح لمخلوقات الذاكرة....

 من يهبني قدرة النسيان... انفصال الجسد عن المكان كالموت... لا لن تموت الذاكرة إلا عندما أحرمها صلواتها في معبد ها المكاني هذا... لن تموت الذاكرة إلا عندما أحرمها وضوءها برائحة السمك.. أحرمها السجود على الهواء الرطب... ستموت كما ماتت أرواح الكثيرين ممن حرموا معرفة الله، حين حرموا الصلاة...

لن أعود مجددا لن أجلس في هذا المكان مجددا..

انتهى...
قام بكل صلابة، شد قامته الطويلة أكثر من أي وقت مضى، دخل سيارته الفارهة ومضى....

 

الغد

رائحة السمك، الرطوبة، جو الشتاء، الساعة الثانية عشر.. إنه منتصف الليل لا أحد يعبر هذا الشارع في هذا الوقت غير بعض العمال من أصل هندي أتعبهم نهارهم الذي لا ينتهي, إنه الجالس هناك غارق في صلاته مجددا يشرع في وضوئه برائحة السمك النتنة المنبعثة من محل بيع المخلوقات البحرية البشعة، يقوم يسجد على ريح الشتاء الرطبة يغرق في صلواته ومناجاته لتلك الآلهة، حبيبة التي رحلت ولن تعود، ينتظر معجزة تصيغها الريح ربما تخلق من تراب الذاكرة حبيبة من جديد جسدا وابتسامة وتنفخ فيها روحا من عوالم الذكرى.

 

 

7

الطريق إلى الجنة

 

يتصاعد الألم إلى أن يصل إلى أعلى رأسي. هو مضحك بعض الشيء لأنه يمتد بشكل أفقي يذكرني بالألم الذي كان يحدثه الأستاذ حين يضربنا بالعصا أيام المدرسة الابتدائية.... الضرب الذي لم يكن يلائم مقاس كرامتي عندما انتقلت إلى المرحلة الإعدادية ولم تكن أناي تقبل به عندما حللت تلميذا على المدرسة الثانوية......

ألمي يضحكني.... كنت أعتقد أن آلام الآخرين تدعوني للضحك إلا أني أغرب مما ضننت فأوجاعي وأسقامي دائما ما تدعوني للضحك.... اليوم أكثر بكثير مما مضى.... أشعر بأني لا أستطيع الحراك....

لا أعرف ما الذي جرى كنا سعداء... ضحكاتنا دليلي على ذلك.... حيث مازالت ترن في أذني... "الأمن مستتب" كما كان يقول أحد الأصدقاء... ابتسامات عريضة يحسبها الناظر ممتدة إلى خارج الحدود الدولية لهذا البلد الصغير.........    

عاد الألم أشد قسوة أنه يرقص منتقلا من مكان إلى آخر.... يرقص بوحشية محاربي القبائل الأفريقية... ولا يكتفي بذلك... لا أستطيع الحراك ما بي يا ترى....الظلمة تحيطني أين أنا هل أنا حالم أم أنها حقيقة هل....

أنه حلم نعم حلم.... لأجرب الاستيقاظ من هذا الحلم الغريب.... هذا الحلم مضحك أنه بلا ملامح.. غريب حلم لا ترى فيه شيئا انه كمقالب بعض الأصدقاء... فكاهاتهم التي لا تنتهي... اكتشاف جديد في عالم مل الجديد " بعض الأحلام تمتلك روح الدعابة أكثر من كثيرين عرفتهم"...

 يتحرك شيء جميل في أحشاء الظلمة.... جميل بحيث لا يوصف بسهولة.... دافيء لا يمت للدفء بصلة... مرعب مفرح .. يصنع ذاته من كل زوج متناقض ...

يتكرر الحلم...

............................

أعتقد أنه أكثر من حلم............................

بعض الظواهر لا يمكن تفسيرها... فكيف أفسر ما أنا به الآن.... أهذه إحداها....

لأعد حساباتي مجددا:

1-  كنت مع بعض الأصدقاء

2-  كنا سعداء

3-  كنا نتسابق من يصل أسرع إلى المطعم" الخاسر كان سيدعو الجميع لتناول العشاء

4-  ................................

سيارة مسرعة أكثر بقليل من سرعتنا وفجأة ..............

نعم لقد كان حادثا لم يكن حلما .....

والآن .................

غريب .....

أهو الموت...

أنه الموت....

......................

الموت .........................

أنا ميت ............ توفيت أثر ذلك الحادث......................

هل هذا هو الموت.......... ولماذا هو غريب هكذا .............

.................

طبعا لأني لم أجربه سابقا.....

هل الموت ظلمة؟

ما هذه الظلمة؟

هل الموت مؤلم؟

ما هذا الألم؟

أين عذاب القبر؟

هل أنا أنتظر العذاب أم النعيم؟

نادرا ما كنت أشاهد راكعا أو ساجدا لا أتذكر كم مرة أقمت صلاة، لكن إذا كان ذلك كذلك فأين الأفعى المزعومة. أين هي يا ترى لمّ لم تأتي بعد... أين عذاب القبر....

أم أني مازلت في الطريق....

كم الطريق طويل وأنا مازلت بلا حراك أم أن الحركة بعد الموت تكون بهذا الشكل الرمزي...

أين الأصدقاء ألم يمت أحد منهم سواي... هل تركوني مجددا تخلو عني مجددا... أصدقاء من ورق... اللعنة على هكذا أصدقاء... مازلت ألعن هل الروح تستطيع أن تلعن أيضا... هل روحي بهذه القذارة... آآآآه لم أطهرها... ياااااااااااااااااااااااااالللللللللللللله سامحني...

كم أنا منافق... متى أحرق في النار... من يا ترى سأرى هناك... من يسكن النار ممن كنت أعرف...

لكن لماذا كل هذا الوقت؟

أي وقت هل هناك زمن بعد الموت....

هل أنا في طريقي للجنة أم للنار؟

إلى متى سيطول الانتظار؟

لا لالالالالالا يا الله أنا لا أستحق .....

سأموت من الانتظار....

هذا مضحك أنا ميت فكيف يقتلني الانتظار؟

بدأت اهذي... وهل الأموات يهذون؟

بدأت أجن... وهل الأموات يجنون؟

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه

الموت أكثر إلاما من الحياة....

ما هذا النور من بعيد...

كنت أعلم أني سأدخل الجنة....

كنت واثقا بأني من أصحاب النعيم....

مضى الكثير من الانتظار، لم يبقى لي سوى القليل....

- هاتي المقص ... ركزي الضوء على منطقة العين... أعطني بعض القطن...

- دكتور هل تعتقد بأنه سيكون بخير؟

- أعتقد بأنه أصيب بشلل كامل، أغلب حواسه عاطلة عن العمل، لكن أعتقد انه يستطيع الرؤية بشكل جزئي....

 

 

8

إحراق شجرة

 

يبصق بألم وغضب .. يمتلئ قفصه الصدري بالكثير من الشتائم والحقد، يحاول التخلص منها أولا بأول يرمي بها حوله في وجوه المارة ... يشعر بأن الشتائم تتحول إلى غصة إلى دموع يصرخ: لماذا أنجبني ذلك الأحمق ليرمي بي في الشارع اليوم؟ .... يقول آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه كبيرة مؤلمة ساخطة يلعن نفسه واليوم الذي ولد فيه وكل الحياة والناس وحتى الله .... أنه يبكي بغضب نهاية حياته الأسرية لم يعد ينتمي إلى أسرة بعد اليوم.....

أنه وحيد... منذ لحظة فقط كان له أم وأب وأخوة وأخوات....

الآن لا يعرف أحدا لم يعد يملك أسرة بعد هذا اليوم....

يصرخ في وجه عجوز- تعودت التسول في هذا المكان وكان يحسن إليها أحيانا- قائلا: من هم لأهتم بهم من كانوا ....ماذا فعلوا لي.. أنهم مجرد حمقى...

 انتفضت العجوز ولم ترحمه ألقته بالكثير من اللعنات...

مضى صرخ كثيرا رفس حائطا في طريقه... ركض...

انهارت قواه جلس بالقرب من الحائط تجمهر الناس حوله بدأ يصرخ عليهم كان يبصر الكثير في عيونهم.... يتألم من كلامهم الصامت...

صرخ على أحد الأطفال والذي كان يرمقه بخبل:

أبتعد يا أحمق يا صغير لن تكون إلا مجرما عندما تكبر... 

ظل الطفل يرمقه باستغراب، رماه بمائة فلس ومضى دون خوف...

أحترق يأسا صرخ على امرأة شابة شبه جميلة....

نظرت إليه خمس دقائق ثم مضت...

غرق جسده...

حاول الوقوف....

اتكأ على الجدار القديم واقفا بما كان يملك من بقايا حياة...

صرخ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه وحل السكون....

في الصباح كان قد تكور قطعة لحم كبيرة تحت بقايا الجدار... مر الأب من أمام الجدار دون إدراك... عيناه كانتا تلامسان كل شيء.. حائرتان... وصوت الأم كان ينخر العقل...

 

9

 مجرد أب

 

سقطت دموعه على ذلك الجسد الرطب... أحس بأن جميع الكائنات تتحرك... العالم أجمع يتدافع في أعماقه... أنهم لا يتشاجرون أنهم فقط غير قادرين على الوقوف، هو يتمنى أن يصرخ، أن يبكي، أن يتحد بكاؤه مع بكاء ذلك الطفل، قطعة اللحم التي آلمت حبيبته لتخرج للوجود بكل ذلك الصراخ، هذه الروح، ما هو هذا الشيء الرهيب في داخلي، أبوة هي لكنها غريبة كم سمعتها من والدي طوال سنوات, آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أبي أني أعلم مدى ذنوبي الآن...

كيف أستغفرك اليوم؟

أبييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي...

يصرخ مستغيثا.........................

أبييي..............................يييييييييييييييييييييييييي...

أين أنت اليوم.... أين.... أين...أين....

طفلي... حبيبي...

لا أتمنى أن تكون مثلي.. حتى لا تؤلمني، أتحد بكاؤه مع بكاء طفله ظل يصرخ بصوت مرتجف.... كان أبواه ينظران إليه بحنان بعطف يباركان له لكنه لم يكن يجيب كان يبكي بكل حواسه بكل آلامه نظر إليه أبوه باستغراب حاول مواساته رمى بكل جثته في حضن الوالد ظل يبكي كأنه ولد اليوم من جديد.

   

 

10

    شميـــــم

                                       

( 1 )

 أقرب أقرب إلى النور مع الطائفين وفجأة أسجن من جديد في المرآة. أقرب أقرب إلى النور إنه غريب والطائفون أغرب. رائحة غريبة تلف المكان, وحياة غير كل الحيوات التي عشتها من قبل. أصبحت أقرب ثم أقرب إني أسمع النور.......

آه إني أبتعد أكثر. مجددا تكتسح المرآة جسدي... أريد تحطيمها لأنطلق بعيدا لكنها أنا.

 

( 2 )

 - تتراكم نظراته لتتحول إلى عبئ ثقيل.نظرات ملؤها الشك. يا ترى هل علم ما حدث صباح اليوم ؟ لكن كيف عرف ؟ ولم تمر إلا ساعات قليلة.

- مجددا يرمي ببصرة بعيدا متناسيا أعوام الصداقة. لقد كف عن محادثتي منذ زمن إلا ببعض الكلمات العديمة العمق.

هل هو غاضب بسبب مساسي أحلامه المقدسة التي طالما اعتبرها كالمعتقد أو أكثر كما يصف دائما. هذا الصباح تحدثت بلا مبالاة وهو يتلو علي حلمه. .

- لا لا لا أظنه يعلم.

- ما به يا ترى ؟

 هذا الصباح شاكسته الشمس من داخل المرآة ودفعت أحلامه بعيدا. ما السر يا ترى في تلك المرآة أو أية مرآة أخرى. هو هو وهو المرآة، والشمس هي هي والشمس هي المرآة، عيناه المتعبتان هي الأخرى هي والمرآة هي عيناه.

ينظر بغضب إلى نفسه ويرمي بكل تلك الهواجس مع ا لقطرات الراحلة في حوض الماء إلى أمكنة وأزمنة غير معروفة. بعيدا يريدها أن تكون، فهو لا يقوى على حملها. إنه مغرم بفضيلة الجهل كما يكرر دائما، يقول: إن تعش جاهلا، تحيا حرا ترحل مرتاحا. إنها معادلته الحياتية الصعبة التي يخفق دائما في تحقيقها.

أخيرا يقبل فراشه المنهك احتضان ذلك الجسد...

ما أن شعر بنبض الساعات الواحة تلوه الأخرى تسري في جسد الزمن حتى لفظته الغرفة دون ما صوت. لم يطالع المرآة ورحل.

 

 ( 3 )

 ترتمي العتمة في كل مكان ويبتلع العدم نهاية الطريق. عيون جامدة تحدق.الكثير من الألم يسري في العروق ليرطدم بجدار القلب محدثا أنغاما تخترق الجسد. بعيدا تنطلق كأنها معزوفة تاكو يابانية. يرتجف كل شيء كلما اقتربت.  

لا بشر يستخدمون المكان وكأن الجميع يعلنون استنكارهم ورفضهم للحادث المؤلم...كأنهم اتفقوا لأول مرة وآخر مرة...

لا أثر ولا دليل على ما حدث صباح اليوم.سيارة حمراء صارخة كنت أقودها أو كانت تسوقني... ما معنى اللون الصارخ في عالم فقدت فيه الأشياء أرواحها...

أحيانا أشك أن جسدي يحوي روحا...

تشتد غرابة النور المظلم الذي يسيطر على مكان الحادث. أيعرف أحد أني الفاعل ؟

أم تراهم نسوا الأمر بعد مرور كل هذا الزمن. كلمات ترتمي من العدم كلما طفت بالمكان ( أكانت جريمة فعلا ).

يرمي بي الشارع في عمقه ويبصقني بعنف رافض.

تتقاذفني الأمكنة، تعبث بي. على الجسر أبدأ، تعصف النسمات البحرية لتعاقبني. تمتلئ رئتاي بالغبار والرطوبة. يسكن الجسد تهمد كل الحرائق.

كم أتمنى أن أمضي بعيدا كذرة غبار أو كالهواء أملأ العالم بي.  أحتمي بجدران قطرة ماء، أتبخر، أسقط مطرا، أمضي في جسد حي، أبحث عن روح في ملايين الأجساد. أغزوا أدق تفاصيل العالم...

أصبح طاهرة وأمسي قذرة. أذوب في الفضائل وأغوص في الرذائل. أعرف في النهاية أني ماء، شيء من الحرارة يطهرني وذرة من القذارة تعدمني. أتطهر آلاف المرات، لا ماضي يتبعني ولا مستقبل يرهبني...

إني قطرة ماء...

تحت الجسر صبية يرمون بخيوط رفيعة مثقلة بعبء يغوص في أعماق الماء المالح...

آه كلما حاولت النسيان يظهر شبح الموت أمامي، كان يركض سريعا نابضا بالحياة وفي أقل من لحظة وعبر اهتزازة سرت في أعضاء السيارة ورمت بقلبي في التيه أمتد صريعا في وسط الطريق كما عكست مرآة السيارة.

مضى الروح بعيدا، شريدا، بعد أن حطمت الجسد.

ألا أشكر على عملي ؟ خلصت الروح من السجن. حطمت وأطلقت الروح عميقا في الأشياء. أجبرت النفس على الحرية.    

اجري أسرع لعل الحزن يرتمي بعيدا. يتناثر غبارا أو هواء أو قطرة ماء..

قالت لي جدتي ذات يوم: إن الأموات دائما سعداء. لأن في موتهم حياة أخرى. ولا يبقى إلا الألم ليرثه الأهل والأصدقاء بغير وصية. ولا أعتقد إن له من يبكيه بعد اليوم.

لكن القطرة تنفجر, وتتلاشى الأفكار.  وكلمات الجدة تقذفها الريح ويمتصها البحر.

أشعر بالماء يغطيني. هل هي دموع الجسد، آلامه التي لا تنتهي أم معارك الروح تنفجر سائلا حزينا على هيكل بائس. 

إنه المطر لا اذكر متى هطل...

تحول الجري إلى سير وديع أطلقت روحي أنشودة المطر وبدا الماء يحترق ويهوي رمادا. 

أرتل كلمات الشعر أو شعر الكلمات في طقس تطهيري. أحاول نسيان الماضي. أحاول دفع آلامي لتنساب مع سيل الماء. ذرات الطهارة تغضب و تتحول في أندر حالاتها تحت سماء الوطن صلبة، جارحة، عنيفة ووحشية و باردة إنه البرد.

السماء ترفض طهارة الماء. التقديس لا يكون بالماء والتكفير عن الخطيئة العالقة بحضن الدم لا يكون إلا بالدم.

الكلمات المكتوبة بحبر الماء لا يبصرها سوى الماء. أما المعاني التي يرمي بها اللون الأحمر في حنايا الوجود يراها الجميع، وتعلق بأنفسهم وتثمر بها عقولهم.

 

( 4 )

 

عندما أوصد الباب وأشعل الضوء أثاث الغرفة، لمعت المرآة مجددا في دعوة لا ترفض للمثول أمامها لإنهاء القضية وإصدار الحكم.

بكل رهبة أندفع الجسد ليواجه الحقيقة وإن كانت آخر الحقائق...

أرتعش الجفنان في قلب المرآة وعندما أدرك البصر الذات الواقفة في عمق المرآة...

أطلقت المرآة حكمها منهية القضية...

أندثر المجرم فاندثرت الجريمة..لا حكم... ولا جريمة...

و انكسرت المرآة...

- صديقي أين أنت ؟

-...

جاء صوته لينتشلني من نفسي ويعيدني للحياة....

- ألا تريد محادثتي... هل أنت غاضب مني لأني أكثرت من المزاح؟

-.....

- هل أستطيع معرفة ما يؤلمك؟

- أتذكر عندما توفي شميم في حادث قبل أشهر ؟

- وهل هذا حادث ينسى. أتذكر كم كان ألمنا من فراقه ؟

- أعلم...  الألم يقتلني...

- خلت أنك بدأت تنسى

- كدت أنسى لكني قتلت حيوانا بسيارتي، فانطلقت جميع الذكريات والأسئلة اليتيمة محاولة النيل مني مجددا... أشعر بجسد شميم، إنه في ذرات الغبار الغاضبة التي تلف المكان منذ الصباح.

إني أتنفسه، هو يسري في أعضائي كما قال الخيام: جميع ذرات الأرض كانت أجسادا.

أتذكر بشاعة الموت ؟ لقد كنت أداة في يد الموت.

كم كان سريعا، أنتشل الروح قبل أن أدرك ما يحدث . أدركت السرعة التي مات بها شميم.

انتهى كل شيء في لحظة، كانت النهاية...

يقولون: جميع النهايات بدايات جديدة, فهل الموت بداية...  

هل نهايتي هذه بداية...